Thursday, July 9, 2009

Erti Wasatiah..


الوسطية ماذا تعني ؟
الإمام العلامة علي جمعة

كلمة الوسطية في الإسلام أُخذت من قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] وهذه الآية تجعل الوسط في مكان عال يستطيع منه الراصد أن يشاهد من تحته, وأن يشاهدوه أيضًا في نفس الوقت، وهذه الحالة تذكرنا بمن كان في أعلى الجبل؛ وحيث إن المسافة من الوادي إلى قمة الجبل صعودا تساوي تقريبا المسافة من قمة الجبل إلى الوادي وراء هذا الجبل هبوطا، فيمكن أن يصدق على الواقف على قمة الجبل أنه يقف في وسطه.
ويؤكد هذا المعنى أن كلمة الوسط في لغة العرب تطلق على الخيار، وعلى [الأعلى] كما في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وصفه للجنة (والفردوس أعلى الجنة وأوسطها) [رواه الترمذي]، وقوله (فإذا سألتم الله عز وجل فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة)[مسند أحمد] .ويزيد في التأكيد ما ذهب إليه المفسرون في تفسير قوله تعالى : {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } [المائدة:89] أي من أعلاها.


وكلمة شهيد على وزن فعيل في لغة العرب، وهو وزن يفيد معنى اسم الفاعل ومعنى اسم المفعول جميعا، وعلى ذلك فشهيد معناها شاهد ومشهود، فهو يشاهد من في الوادي وأيضا يشاهده من في الوادي، وإذا نقلنا هذا المعنى من الحالة الحسية إلى الحاسة الحضرية، فإنه يجب على الأمة وجوبا محتما أن تشارك في الحضارة الإنسانية، وأن يكون لها الريادة والقيادة، وأن لا تمنع نفسها عن العالم بعزلة أو تقوقع، وعلى ذلك فنسقها الحضاري الثقافية نسق مفتوح، ومن هنا جاءت فكرة أمة الإجابة وأمة الدعوة عند الإمام الرازي؛ حيث إن المسلمين يعتقدون أن كل الأرض هي أمتهم إلا أن بعض البشر قد آمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وبعضهم لم يؤمن، فمن آمن أسموه بأمة الإجابة، ومن لم يؤمن أسموه بأمة الدعوة، فهم في حالة شهادة دائمة، ومشهودية دائمة، يأخذون ويعطون في حراك مستمر، أو هكذا أوجب الله عليهم.


إن هذا النسق المفتوح يفرض علينا أن نفهم العلاقة بين التكليف والتشريف، فالآيات التي تشرف الأمة وتعلي قدرها هي في ذات الوقت تكليف لها، فقوله تعالى : {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52]. تشريف وتكليف، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ} [آل عمران:110] .
تشريف وتكليف. وقوله تعالى هنا بالوسطية تكليف وتشريف. وإسجاد الملائكة لآدم تشريف وتكليف؛ حيث إنه قد كلف بالعلم وتحصيله وبعمارة الأرض وبتقوى الله.
والسؤال الآن كيف ننفذ هذا التكليف حتى نصل إلى هذا التشريف ؟


ملامح الوسطية في القرآن باعتبارها تكليفًا تتمثل في : العلم وأساسه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28] {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114] ، {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76]، {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر :9]، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل:43]
والعمل وأساسه : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105] {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود:61] أي طلب منكم عمارها وما لا ينحصر من الآيات والأحاديث. والاتحاد وأساسه : {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] والتعارف بين الخلق وأساسه : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].


- ولعله من المفيد أن ندرس خطاب سيدنا علي بن أبي طالب –كرم الله وجه- إلى مالك بن الأشتر حينما أمره بالذهاب إلى مصر لولايتها وإن لم يكن قد وصل إليها، ويؤخذ منه ملامح هذا التكليف الذي يرقى بنا إلى مرتبة الوسطية.

0 comments:

About This Blog

About This Blog

  © Free Blogger Templates Spain by Ourblogtemplates.com 2008

Back to TOP